المشكلات الحدود ية في الوطن العربي
قدرت الحدود السياسية البرية للدول العربية بحوالي 34.492كم ، وقد كان ظهورها في منطقة أفريقيا العربية أقدم من ظهورها في غيرها من المناطق العربية الأخرى ، ويبلغ متوسط عمر الحدود العربية المرسومة حوالي 70 عاماً فقط . ويمثل ترسيم الحدود أهمية كبيرة لدى رجال القانون والعسكريين والسياسيين والمؤرخين فضلاً عن الجغرافيين وغيرهم . فهي بالنسبة للرجال القانون تفصل بين نظامين قانونيين لهما سيادتهما ، وفي أنها في نظر العسكريين منطقة الدفاع الأساسية ومن الناحية السياسية فإن الحدود هي تعيين للمدى الذي يمكن أن تبلغه السلطة السيادية ، واهتمام الجغرافيين والمؤرخين بموضوع الحدود في أساسه راجعاً لحاجة أكاديمية ، بل ويساهم الجغرافي عملياً في حل مشاكل الحدود السياسية .
ويعد الخطر كل الخطر من حدود الدول العربية في أنها قد تم رسمها بفعل السياسة ، وفي أغلب الأحيان لا تكون متطابقة مع منطق الجغرافيا أو وثائق التاريخ ، ومن هنا يبدو أن الحدود في الوطن العربي خططت وفق الصراعات والمصالح الأجنبية الاستعمارية في كثير من الأحيان .
ونتيجة الخلافات الحدودية في الوطن العربي ، أصبحت النزاعات والصدمات المسلحة ، في سبيل الحصول على مكاسب إقليمية أو اقتصادية ، فالصدمات العسكرية بين العراق وإيران ، وغزو العراق للكويت ، واحتلال ليبيا لشمال تشاد ، والمعارك في الصحراء الغربية لم تسفر إلا عن خسائر هائلة في الموارد الاقتصادية والبشرية ، وتعتبر مشاكل الحدود هذه هي أهم العوامل على الإطلاق في زعزعة الصف العربي ووحدته بل أن إذكاء هذه المشاكل الحدودية بين الدول العربية بين الحين والحين تعد أهم عراقيل التكتل الإقتصادى العربى بكل ضروريات وجوده وتفعيله ، ليس الأمر عند هذا ، ولكن سببت مشاكل الحدود بين الدول الغربية وجاراتها مشاكل حدودية أخرى تمثل تهديداً قائماً وصراعات لا تنتهي أيضاً .
وفيما يلي سوف يتم تقسيم المشاكل الحدودية بالوطن العربي إلى قسمين ، الأول خاص بمشاكل الحدود بين الدول العربية فيما بينها ، والثاني خاص بمشاكل الحدود بين الدول العربية وجاراتها الأخرى :
أولاً : مشاكل الحدود بين الدول العربية بعضها البعض :-
( 1 ) مشاكل الحدود بين السعودية وجيرانها
تشترك السعودية مع سبع دول في حدودها السياسية وهذا في حد ذاته من الميزات للحدود السعودية ولما تتمتع به الأراضي المقدسة من تقدير ورغبة في قلوب كافة الدول العربية ، والحدود بين السعودية وكافة دول الجوار ممتازة فيما عدا حدودها مع اليمن والعراق إذ يصيبها شئ من التوتر .
-حدود السعودية – اليمن :- يعود النزاع الحدودي بينهما منذ 1925 ، عندما اليمن الأدارسة من عسير بنية ضم هذا الإقليم إليها وذلك بمساعدة الإيطاليين وتحريض اليمن لأهل عسير بالثورة ضد السعودية .
كان ذلك أحد الأسباب الأساسية لبدء النزاع بين البلدين ، إلى جانب الاستعمار البريطاني لجنوب اليمن كان دافعاً أخر لحكومة اليمن في تعويض نفوذها هناك بالاتجاه شمالاً ومحاولة ضم عسير وبالتالي تعزيز صورة نظام الحكم داخلياً وخارجياً.ولكن هذه الحدود بين السعودية واليمن قدتم الاتفاق عليها مؤخراً وإنهاء النزاع تماماً في اتفاقية بجدة عام 2000 ـ حدود السعودية ـ العراق: تعود بوادر الصراع الحدودي بين البلدين عقب الحرب العالمية الأولي ، فلم يكن معروفاً من قبل ذلك حدوداً سياسية في شبه الجزيرة العربية أو في العراق أو في الشام .. وتعد أسباب المشاكل الحدودية ، في عمليات انتقال القبائل بحثاً عن الكلأ والماء دون اعتبارات للحدود الجديدة بين البلدين ، كما أن قيام بعض القبائل على طرفي مناطق التخوم بتغيير ولاءها السياسي لأي الدولتين حسب مصالحها ، كما ساهمة بريطانيا في تفعيل هذه المشكلة ، لستمرار نفوذها في المنطقة . ففي العشرينات والثلاثينيات من القرن العشرين حاولت بريطانيا إحاطة الدولة السعودية الناشئة بطوق من الإمارات الهاشمية الخاضعة لها في الشمال ، ومن جهة ثانية حاولت بريطانيا إظهار مدى حاجة العراق إليها ،كما أن غارات الأخوان التابعيين للسعودية وبعض القبائل الأخرى أضافت كثيراً إلى حدت النزاع ، كما أن الحكم الهاشمي في العراق كان ميالاً في البداية للضغط على أطراف الدولة السعودية لاعتبارات سياسية خاصة بالحجاز وسقوطه في يد القوات السعودية .. في المقابل سعت السعودية دائماً لتأمين أطراف حدودها رداً على محاولات تهديد أمنها وسلامتها الإقليمية ، ولذلك سعت الدولتان لاستقطاب الولاء القبلي والعشائري في مناطق النزاع ولكن هذا النزاع السعودي العراقي انتهت نتائجه بصورة طيبة للغاية ، فقد توصل الطرفان في اتفاقية المحمرة والعقير عام 1922م إلى إيقاف غارات القبائل وحماية طرق قوافل الحجاج وتعيين خط الحدود بين البلدين وإنشاء المنطقة المحايدة ، أما إتفاق جدة 1975 ، فقد اتفق الطرفان على ترسيم الحدود واقتسام المنطقة المحايدة ومنذ 1922 – 1990 ظلت الحدود بين البلدين هادئة ولكن الحشد العسكري العراقي على الحدود السعودية أعاد التوتر من جديد .
( 2 ) مشاكل الحدود بين العراق – الكويت
تعد هذه المشكلة أخطر المشكلات الحدودية بين دولتين عربيتين أدت إلى انقسام الصف العربي صف مؤيد للعراق وآخر معارض له ، ولكي نتفهم أبعاد هذه المشكلة بصورة أكثر وضحاً ، فلابد أن نعرف عن الكويت أنه ، يقع على رأس الخليج العربي الذي يخرج منه خليج الكويت أيضاً ، الذي هو نتاج حركات القشرة الأرضية كمصب لنهر قديم حولتة حركات القشرة الأرضية إلي هذا الخليج الذي اكتسب أسمه من الكويت وقد حمى هذا الخليج سواحل الكويت من أنواء الخليج العربي وعواصفه العاتية ، لهذا كان ملجأ للسفن عندما أتيحت الفرصة لمعرفة مزاياه بداية الثامن عشر . وتعد الكويت نهاية الطريق البحري للمحيط الهندي وخليج عمان ـ الذي يلتقي مع طرق القوافل عبر الرافدين وغرباً إلى ساحل البحر المتوسط – أي أنها مركز الاتقاء بين الطريق البحر والبري ، لهذا ازدهرت بها تجارة الصادر والوارد على حساب ميناء البصرة ، كما أن ميناء الكويت يقع في نطاق شاطئ اللؤلؤ العظيم ، عندما كان اللؤلؤ تجارة رابحة فحرصت السلطات التركية على بسط سيادتهم عليها .
كما أن موقع الكويت أهلها لتكون مركزاً دولياً للبريد بين أوروبا وساحل البحر المتوسط وبين موانئ المحيط الهندي .
كما سلطت عليها الدول الأوروبية الضوء لاختيارها نهاية لسكة حديد بغداد ، ذلك عن الكويت في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر أما في القرن العشرين فقد اكتشف نفطها عام 1938 في حقل البرقان ثم توالت الاكتشافات حتى أصبحت الكويت ذات احتياطي ضخم بالإضافة إلى أنها تنتج ما يزيد 1.5 مليون برميل يومياً .
تتركز أسباب الصراع بين البلدين في رغبة العراق في ضم الكويت ، فضيق المنفذ البحري العراقي على الخليج العربي والموقع المميز مع الموارد البترولية الصخرة للكويت تشكل أسباباً أساسية لبدء الصراع الذي قام على كثير من الحجج والادعاءات القانونية والسياسية ، فالعراق يؤكد أن الكويت كانت جزءً من ولاية البصرة العثمانية . وعليه فإن له الحق في وراثة الدولة العثمانية في الكويت ، واستند العراق أيضاً على الاستفزازات المزعومة التي يقوم بها الكويت فيما يخص بتروله ومراكزه الحدودية ، وعلى الجانب الكويتي فقد أكدت أنها لم تكن تحت الحكم العثماني أساساً ، ثم أن العراق لم يكن دولة مستقلة في ذلك الوقت حتى يرث النفوذ العثماني في الكويت وتؤكد بعض المصادر أن حاكم الكويت في نهاية القرن التاسع عشر فرض رسوماً على السلع العثمانية المارة بأراضيه ورفض قبول لقب قائمقام التركي ، كما اعتمد الكويت بتأكيد استقلالها وسيادتها على الخطابات المتبادلة بين البلدين عام 1932 بشأن اعتراف العراق بالكويت وفي عام 1961 تم انسحاب القوات البريطانية من الكويت ونعت اتفاقية الحماية البريطانية (1899) للكويت في 19 يونيو ، وذلك كان دافعاً للعراق في التفكير وعزمه ضم الكويت ، أدى ذلك إلى إنزال القوات البريطانية في الكويت وبعدها دخلت القوات العربية وقبلت الكويت عضواً كاملاً بجامعة الدول العربية ، ثم انسحبت القوات العربية عام 1963 وقد كثفت الكويت نشاطها الدبلوماسي بعد انتهاء أزمتها هذه مع العراق أدى ذلك إلى اعتراف كثير من دول العالم بها ، ثم انضمامها إلى منظمة الأمم المتحدة 1963 ، وأخيراً اعتراف العراق بسيادة الكويت على كافة أراضيها وفي إطار حدودها الراهنة في اتفاقية 4 تشرين الأول 1963 بعد زوال حكم عبد الحكيم القاسم في العراق ، وبالنسبة للصراع الأخير الخاص بغزو العراق في أغسطس 1990 للكويت زعم العراق أن هناك ثورة داخلية في الكويت ضد نظام الحكم طلبت مساعدته ، ثم أعلن بعد فترة قصيرة استعداده للانسحاب ثم أعلن ضم الكويت إلى العراق تحت مسمى المحافظة التاسعة عشر ، كان نتيجة ذلك تحطيم قدرة الجيش العراقي والكوارث البيئية الهائلة التي سببها إشعال أبار النفط الكويتي ، سقوط عشرات الآلاف من القتلى العراقيين والكويتيين وتدمير هائل للبنية التحتية بالعراق والكويت ، والأهم من ذلك تنظيم الصف العربي الذي لم يلتئم بعد بالإضافة إلى تغلغل النفوذ الأمريكي البريطاني بالمنطقة .
( 3 ) مشكلة الحدود بين الجزائر والمغرب
نتجت هذه المشكلة من جراء الخلافات بين الإدارات الاستعمارية الفرنسية في الجزائر والمغرب ، حيث الغموض في حدود الأجزاء الجنوبية بين البلدين ، وبعد استقلال الجزائر عام 1962 ، تقدم المغرب بالمطالبة بإقليم تندوف جنوب غرب الجزائر ، بل والزحف ناحيتها ، فقامت حرب قصيرة بينهما (1963 - 1964) بهدف طمع المغرب في الاستيلاء على تندوف وفجيج الغنيتان بتكوينات الحديد العالي الجودة ، إلى جانب تحويل المغرب لأنظار القوى السياسية والشعبية في البلاد إلى خارجها وزيادة رفعة البلاد والفصل بين الجزائر وموريتانيا ، وأكدت مصادر أخرى أن احتواء المنطقة على كميات كبيرة من البترول والغاز دفع المغرب للمجازفة بإشعال الصراع طمعاً في الاستفادة اقتصادياً ولو بشكل جزئي إذا تم التوصل إلى تسوية تقسيمية بين البلدين بخصوص الإقليم ، واستند المغرب في ادعائه بحق السيادة على تندوف وما جاورها بكونها خاضعة لسيطرته التاريخية في قرون ماضية ، فيما شددت الجزائر على حقوقها وسيادتها على الإقليم بموجب ما ورثته عن الإدارة الفرنسية الاستعمارية ، وبالوساطة من منظمة الوحدة الإفريقية تم توقيع معاهدة للتضامن والتعاون في أفران عام 1969 وتراجع المغرب عن ادعاءاته .
واتفق الطرفان على إنشاء منطقة منزوعة السلاح على الحدود في تندوف ، كما اتفقت الدولتان في مايو 1970 على أن تعترف المغرب بخط الحدود الذي يمر إلى المغرب من كولمب بيشار ، وبذلك أصبحت منطقة الحديد الخام في جبل قارا وتندوف في الجزائر بشرط مشاركة المغرب والجزائر في استغلال حديد تندوف من خلال شركة مشتركة .
إلا أن العلاقات عادت للتوتر مرة أخرى بعد استيلاء المغرب على الصحراء الغربية عام 1975 ، بخصوص هذه المنطقة .
( 4 ) مشكلة الحدود بين اليمن – عمان
تكمن المشكلة في أن الحدود عشوائية ولم يراعى في وضعها أسس وقواعد الجغرافيا السياسية ، وبدأ التوتر أثر حصول جنوب اليمن على استقلاله والاختلاف في الأنظمة السياسية في كلا الجانبين ، وربما كانت السياسات الراد يكالبه في علاقات اليمن الجنوبي في السبعينيات مع عمان أثراً في زيادة التوتر على حدود البلدين ، حيث مساعدة اليمن الجنوبي الثورة في منطقة ظفار العمانية وزعزعة أمن عمان ، نتج عن ذلك صدامات مسلحة في السبعينيات ، واستعانت عمان بقوات إيرانية ومساعدات عربية مقابل الدعم السوفيتي لليمن ومنطقة ظفارة إلا أن عام 1982 وقع البلدان اتفاقية لتحسين العلاقات وتطبيع الوضع على الحدود ، وأعلن مؤخراً أن قضية ترسيم الحدود وتسوية المشاكل بين البلدين وصلت لمرحلة متقدمة .
ثانيا : مشاكل الحدود بين الدول العربية وجيرانها :-
( 1 ) مشكلة الحدود بين سوريا – تركيا :
أساس الخلاف حول إقليم الإسكندرونه وكميات المياه المتدفقة عبر نهر الفرات التي تنبع من تركيا ، ففي أعقاب الحرب العالمية الأولى أعطت فرنسا إقليم الاسكندرونة لتركيا بحجة أن أغلب سكانه أتراك ، وهدفت فرنسا بذلك ضمان موقف تركيا بجانبها كمقدمة للحرب العالمية الثانية ، تأزم الموقف بين الأطراف الثلاثة خاصة بعد حشد تركيا قواتها عام 1957 على الحدود وزاد من الأزق إنشاء سد أتاتورك الهائل على نهر الفرات وخفض نصيب سوريا من المياه : وتتركز المطالبة السورية بإقليم الأسكندرونة على اتفاقية سايكس – بيكو (1916)التي وضعت البلاد السورية تحت الانتداب الفرنسي بما فيها الأسكندرونة ، فيما تعتمد الحجج التركية على الاتفاق الفرنسي التركي عام 1921 بقيام إدارة خاصة للإقليم ولم يكن للطرفين أي اعتراض قبل ذلك على كون الإقليم جزءاً من سوريا ، وكانت عصبة الأمم قد قررت بقاء الإقليم تحت الإدارة الفرنسية ثم سمحت فرنسا لتركيا بالسيطرة عليه .
واستمر التوتر بين البلدين لسنوات طويلة بلا اشتباكات مسلحة حيث انشغال سوريا بالصراع العربي الإسرائيلي وأزمة لبنان ، لكن سوريا قدمت احتجاجات قوية بخصوص الممارسات التركية عبر الحدود وتقليص المياه عبر نهر الفرات .
( 2 ) مشكلة الحدود بين الصومال –أثيوبيا
تكمن المشكلة في اقتصاع إقليمي هود وأوجادين بمساحة 650.000كم2 من صوماليا الكبرى وضمها لاثيوبيا بفعل الإستعمار البريطاني والفرنسي والإيطالي عند تقسيمه للصومال بين عامي 1885 – 1900 بحيث وصل الأمر لفصل أراضي القبيلة الواحدة تبع ذلك حرب عصابات بين الطرفين ومساندة حركات المتمردين كلاً ضد الطرف الأخر ، تصعد النزاع وتوج بالحرب في لإقليم اوجادين في صيف 1977 حيث طمحت الصومال في جمع أوصالها التاريخية وعودة اوجادين الإقليمي الرعوي السكاني المهم للصومال .. فقد اعتمد الصومال في حججه على أن شعب الإقليم من الصوماليين وأن المنطقة تقع تحت التأثير الصومالي تجارياً وثقافياً ولم تعيد يوماً الحدود حركتهم أما أثيوبيا فاعتمدت في حججها على اعتراف بريطانيا بحق أثيوبيا في السيادة على الإقليم منذ 1897 ، واتفاقياتها مع إيطاليا عام 1908 بحق أثيوبيا في إقليمي اوجادين وهود .
ورغم اتفاقية أكرا 1965 بعدم الاعتداء للطرفين إلا أنه نشبت الحرب عام 1977 واستمر التوتر حتى قيام الحرب الأهلية الصومالية عام 1990 .
( 3 ) مشكلة الحدود بين السودان –أثيوبيا
بفعل تقسيم الاستعمار البريطاني الإيطالي الحدود بدون مراعاة الظروف المحلية للمنطقة إلى حد تقسيم أراضي القبيلة الواحدة في مناطق بارو وأنوك .. وقام النزاع بدعم أثيوبيا الحركات الانفصالية جنوب السودان ثم دعم السودان لحركات تحرير إريتريا إلى جانب تسلم الأثيوبيين داخل السودان للزراعة بها متجاوزين الحدود السياسية .
والحقيقة لا يرغب الطرفان في النزاع لظروفهما الداخلية ولكن يهبط الطرفان إلى تصحيح الأخطاء الناجمة عن سوء تخطيط الحدود بينهما فيما يخص بريقع وجمبيلا والبارو دون المساس باتفاقية الحدودين أثيوبيا وبريطانيا عام 1902 . إلا أن عام 1972 تبادل الطرفان المذكرات واتفقا على حل مشاكل الحدود بينهما ، أما مسائل الاستيطان والزراعة بين البلدين تركت بدون ترتيبات رسمية بعد .
( 4 ) مشكلة الحدود بين موريتانيا – السنغال
يرجع أساس الخلاف بينهما إلى المرسوم الفرنسي (1932) الذي جعل من الضفة الشمالية لنهر السنغال حدوداً بين البلدين ، وطبيعة هذا النهر وفيضانه تغير من ملك الحدود وغموضها . وكان نتيجة المناوشات السياسية بين البلدين التي عزتها العناصر الأجنبية مضاعفة حدة المشكلة بترحيل متبادل لذوى الطرفين في نهاية التسعينيات وزيادة حدة التوتر أيضاً ، ورغم الهدوء الحاصل ، فإن مسألة حل المشكلة بتأمين حقوق موريتانيا في نهر السنغال بما لا يضر السنغال من الأمور الهامة مستقبلاً .
( 5 ) مشكلة الحدود بين ليبيا – تشاد
ترجع المشكلة الحدودية بين البلدين إلى سيطرة ليبيا على إقليم أوزو وأجزاء أخرى شمال تشاد ، إذ تذكر بعض المصادر بأن فرنسا قامت باقتطاع إقليم أوزو من ليبيا وإلحاقه بتشاد .
ويعد هذا الإقليم غني بخام الحديد واليورانيوم ، مما جعله هدفاً مغرياً لليبيا وتشاد ثم لإيطاليا وفرنسا خلال الحقبة الاستعمارية ، اعتمدت ليبيا في ادائها بالسيادة على أوزو على خط الحدود في اتفاقية عام 1935 بين إيطاليا وفرنسا ، بتخلي الأخيرة عن أجزاء واسعة من تبستي لإيطاليا مقابل كسب إيطاليا في جانبها في القضايا الأوروبية ، وبعد الاستقلال تمسكت ليبيا بالإقليم ، وتؤكد بعض المصادر أن الادعاء الليبي بملكية أوزو لها صفة قانونية قوية بموجب الاتفاقيات المعقودة ، ترتب على هذه المشكلات بين ليبيا وتشاد احتلال ليبيا لإقليم أوزو وأجزاء أخرى شمال تشاد ، وقطع العلاقات بين البلدين عام 1978 وتورط ليبيا في حرب أهلية مع تشاد ، وفي أغسطس عام 1984 تدخلت الجزائر لانهاء الصراع سلمياً أو عن طريق محكمة العدل الدولية . ولكن هذه المشكلات وغيرها كانت مما بعد الأيدي الاستعمارية وأغراضها الخاصة . والتي لم تنتهي نتائج ما صنعته من آثام منذ قرون عديدة بعد .
مشكلة جنوب السودان :-
يعد السودان برمته جزءاً من الجسد العربى الممتد داخل القارة الإفريقية جنوب الصحراء والرابط بينه وبين الشمال الإفريقي مخترقاً الصحراء لينشر عبرها الدين الإسلامى والثقافة العربية ، وحتى أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين ، كانت مصر ممثلة فى العروبة مشرفة ومسيطرة على حركة الموانى الإفريقية على سواحل البحر الأحمر وخليج عدن والمحيط الهندى منذ زمن بعيد يرجع ذلك إلى العهد الفرعونى وما هدأت إنجلترا ومساعدتها إيطاليا وفرنسا حتى تم تقويض النفوذ العربى المصرى وإجبارها على ترك المناطق وتقسيمها فيما بينها وقد تم توضيح ذلك عند الحديث عن العلاقات العربية الإفريقية .
الدور الإنجليزى فى خلق مشكلة جنوب السودان :-
أما فيما يتعلق بمشكلة السودان ذاته فقد ضغطت الحكومة الإنجليزية على مصر لإخلاء السودان كله (حيث امتد النفوذ المصرى فى كل السودان وامتد جنوب منابع النيل حتى مديرية خط الاستواء جنوب غندكرو) ولظروف خاصة بأطماعها الاستعمارية وتمسكت إنجلترا بشدة بالسودان ، فحين أصدرت تصريح 28 فبراير عام 1922 ، الذى ألغت بموجبة الحماية البريطانية على مصر ، أصرت على عدم إجراء أى تغيير فى وضع السودان ، وكان الوضع فى السودان أحد التحفظات الأربعة التى صاحبت تصريح 28 فبراير – وأصرت بريطانيا على أن يحذف من دستور "1923م" ما ينص على أى ارتباط بين مصر والسودان ، وحين أغتيل سردار الجيش السير لي ستاك "sir lee stack" بالقاهرة فى 19 نوفمبر عام 1924م انتهزت إنجلترا هذه الفرصة ، فأمرت بسحب جميع الضباط والجنود والموظفين المصريين من السودان ، وأتاح ذلك لإنجلترا الفرصة لتنفيذ سياستها الاستعمارية فى السودان على نطاق واسع ، باستغلال حقول القطن السودانى وفتح أسواق لها ، وتهديد مصر من خلال تحكمها فى مياه النيل – كما سبق توضيح ذلك ت- والأهم من ذلك هو :أن إنجلترا رتبت بالفعل لفصل جنوب السودان عن شماله ، وتوجيه الجنوب السودانى صوب "أوغندا" وغيرها من مناطق النفوذ البريطانى فى جنوب وشرق أفريقيا وأصبح فعلاً جنوب السودان مغلق تماماً فى وجه أهل الشمال السودانى ، فى حين فتح المجال على مصراعيه لنشاط الجمعيات التبشيرية الأجنبية ، ومنذ ذلك التاريخ اختلقت إنجلترا وتبنت فكرة فصل جنوب السودان عن شماله ، وجعلت خط عرض 12ْ شمال خط الاستواء خطاً فاصلاً بين شمال السودان وجنوبه ، بحجة أنه يفصل بين السودان الشمالى بديانته الإسلامية ولغته العربية وسلالته القوقازية السامية والحامية ، وبين السودان الجنوبى بديانته المسيحية والوثنية وسلالته الزنجية ، وفى سبيل ذلك قامتة إنجلترا بإذكاء الروح الإنفصالية داخل المجتمع السودانى الواحد
وفى معاهدة "التحالف" المصرية الإنجليزية "26 أغسطس 1936م" اتفاقيتى "1899" فيما يختص بالسودان : (وهو وفاق الحكم الثنائى الذى أبرم فى 19 يناير ، وقد حرص الإنجليز من خلاله على أن تكون السيطرة الكاملة على إدارة السودان فى أيديهم هو مستندين على ما أسموه "بحق الفتح" ، على أن البريطانيين عملوا منذ اللحظة الأولى على أن تكون سيطرتهم على السودان كاملة ، وأن يبذلوا جهدهم لإيجاد الفرقة بين المصريين وإخوانهم السودانيين( .
وقد تقرر إثر معاهدة التحالف عودة الجيش المصرى للسودان ، وأن يعين المصريون كالبريطانيين فى وظائف حكومة السودان ، كما اتفق على يكون "مفتش الرى فى السودان" مصرياً ، وأن ترفع القيود عن هجرة المصريين للسودان ، وألا يكون هناك تميز بين المصريين والإنجليز فيما يتعلق بحرية التجارة والملكية ورغم ذلك ظلت إدارة السودان فى أيدى "الحاكم العام" وكبار الموظفين الإنجليز
وظل الأمر كذلك حتى قامت ثورة 23 يوليو 1952 فى مصر ، واتجهت حكومة الثورة فى مصر إلى حل مشكلة السودان قبل مشكلة الجلاء ، وقد حلت قضية السودان باتفاقية 12 فبراير 1953 ، وتم جلاء الجيةش الإنجليزية والمصرية عن السودان ، وفى 19 ديسمبر 1955 أعلن قيام الجمهورية السودانية . ولكن تبقى "مشكلة جنوب السودان" .
ومنذ ذلك التاريخ وهناك محاولات الإنفصال بجنوب السودان عن شماله من قبل "الحركة الشعبية لتحرير السودان" والتى يتزعمها جون جارنج ، فقد فقدت الثقة بين أهل السودان فى الشمال الجنوب ، وذلك نتيجة استمرار الحرب فى الجنوب والتجاوزات الكثيرة التى صاحبت هذه الحرب والمدعومة بالطابع الدينى الذى سبغه نظام الإنقاذ ، مما حدا بأهل الجنوب فى العمل على حق تقرير المصير ، حتى بعد توقيع اتفاقية أديس أبابا للحكم الذاتى عام 1972 بين الطرفين المتنازعين .
ومنذ نشوب الحرب الأهلية فى جنوب السودان لأول مرة عام 1955 ، كانت للحرب الأهلية فى جنوب السودان شأناً إقليمياً ، حيث لعبت الدول المجاورة دوراً أساسياً فى التأثير على مسار الأحداث فى الجنوب ، وذلك فى منطلق التعاطف مع الأفارقة الجنوبيين بحكم عوامل التقارب العرقى والثقافى والدينى ، وأيضاً من منطلق الرغبة فى استخدام ورقة الجنوب للضغط على نظام الخرطوم لتقديم تنازلات فى مجالات معينة ، وبذلك فإن دور دول الجوار الإقليمى فى الصراع بجنوب السودان هو أحد المكونات الأساسية التى لا يمكن تجاهلها لهذه المشكلة ، وبحكم عوامل القرب الجغرافى والتشابه العرقى كانت الدول الإفريقية المجاورة للسودان من جهة الجنوب ، خاصة أثيوبيا وكينيا وأخيراً أريتريا دوراً اكبر بكثير من دور جيرانه العرب المسلمين من جهة الشمال "مصر وليبيا" ، وبالتالى فلدول الجنوب دور فى وضع حد الصراع فى جنوب السودان ، الأمر الذى تؤكده اتفاقية أديس أبابا لعام 1972 ، التى جلبت السلام لجنوب السودان طيلة أحد عشر عام . وهو السلام الذى كان يمكن له أن يستمر لأكثر من ذلك بكثير لولا خرق الخرطوم للإتفاق .
ويمكن للدور الإفريقى أن يكون إيجابياً ، إذا تجنب تصوير الأمر كأنه صراع بين دول شمال إفريقيا العربية المسلمة ودول جنوب الصحراء الكبرى السوداء ، وهذا بالضبط هو التصوير الذى يستفز مشاعر سلبية عميقة لدى قطاعات من المواطنين والقوى السياسية فى جنوب الصحراء ، وذلك نتيجة إرسالات تاريخية سلبية عمقها الاستعمار – زتم الحديث عنها من قبل – بين الشعوب العربية المسلمة والشعوب الإفريقية جنوب السودان . . ولذلك تعد مبادرة دول الإيجاد "الإفريقية" فى مواجهة المبادرة المصرية الليبية العربية المسلمة ، وربما يكون الأكثر فائدة فى هذه المرحلة ، هو الإصرار على التعاون مع مبادرة الإيجاد ، من خلال مبادرات وآليات الإيجاد الأكثر فاعلية وقدرة على النجاح
ولعل أهم ما يلفت النظر فى ساحة السياسة السودانية فى هذه المرحلة هو أن الثقة بين أهل البلاد فى الشمال والجنوب .
من الايباد الخاص بي.